في مشهد يذكرنا بأقسى فترات القمع الفكري في التاريخ الحديث، يقبع الكاتب الجزائري بوعلام صنصال، البالغ من العمر 80 عاماً، خلف القضبان منذ شهرين. الرجل الذي طالما كان صوتاً صادقاً يكشف الحقائق المرة، وجد نفسه ضحية للنظام الذي طالما حذر من ممارساته.
وبحسب ما نشرته صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية في عددها الصادر في 17 يناير 2025، فإن قصة صنصال تشبه إلى حد كبير قصة الكاتب الروسي ألكسندر سولجنيتسين. فكلاهما عالم رياضيات تحول إلى الأدب متأخراً ليفضح الظلم، وكلاهما واجه نظاماً شمولياً بشجاعة نادرة.
نشأ صنصال في حي بلكور الشعبي بالجزائر العاصمة، على بعد خطوات من منزل ألبير كامو. عاش شبابه في الستينيات، حين كانت الجزائر تتبنى الفكر الشيوعي وتنأى عن التطرف الديني. لكن التحول الكبير في حياته جاء مع اندلاع الحرب الأهلية، حيث قرر أن يحمل قلمه ليفهم ويشرح ما يجري في وطنه.
بدأ مسيرته الأدبية في سن الخمسين، وسرعان ما تحول إلى صوت معارض قوي. روايته الأولى "قسم البرابرة" كشفت عن واقع الجزائر المرير: العنف، والفساد، واستغلال حرب الاستقلال. ورغم نجاحها العالمي، منعت الرواية في الجزائر وفقد صنصال وظيفته الحكومية.
اليوم، وبعد اعتقاله في 16 نوفمبر 2024 بتهمة "التآمر ضد أمن الدولة"، يبدو أن كتابه الأخير "دعونا نتحدث عن الفرنسية!" كان القشة التي قصمت ظهر البعير. فقد انتقد فيه الرئيس تبون مباشرة، مشبهاً نظامه بنظام كوريا الشمالية.
يرى المراقبون أن اعتقال صنصال يأتي في سياق تصعيد النظام الجزائري ضد فرنسا، خاصة بعد اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. كما أنه رسالة للشعب الجزائري مفادها أنه إذا كان يمكن اعتقال شخصية بحجم صنصال، فلا أحد في مأمن.
"كل صباح أكتشف أنني أكثر سعادة وحرية من اليوم السابق"، هكذا عبر صنصال عن فرحته بحصوله على الجنسية الفرنسية قبل أسابيع من اعتقاله. كلمات تبدو اليوم كنبوءة مريرة لرجل عرف قيمة الحرية وضحى من أجلها.
Source : https://www.articlophile.net/articles/i/85642878/b...