16 Décembre 2024

سعدي يوسف وقصيدة "حيدر يا ولدي": تحفة شعرية معاصرة



يعد سعدي يوسف (1934-2021) من أبرز الشعراء العرب المعاصرين وأكثرهم تأثيراً في المشهد الأدبي العربي. تميّز شعره بأسلوب فريد يجمع بين الشعر الحر والنثر الشعري، مع قدرة استثنائية على رصد تفاصيل الحياة اليومية وترجمتها إلى صور شعرية آسرة.

في قصيدته الشهيرة "حيدر يا ولدي"، التي كتبها لابنه، يتجلى أسلوب يوسف المميز في مزج العناصر الشخصية الحميمة مع القضايا الإنسانية الأوسع. تعكس القصيدة براعته في استخدام لغة بسيطة لكنها موحية، وقدرته على خلق وصف دقيق يحمل معانٍ عميقة.

لقد أثّر سعدي يوسف في أجيال متعاقبة من الشعراء والكتّاب العرب من خلال نهجه التجريبي الجريء وأسلوبه الأنيق. تميزت كتاباته بالجمع بين المستويين الأرستقراطي والكلاسيكي في آن واحد، مع التزام سياسي ذكي يتجنب الشعارات المباشرة والمبتذلة.

يمكن تلخيص أهم سمات شعر سعدي يوسف في قدرته الفائقة على توظيف المفردات الجمالية، وبراعته في الجمع بين الشعري والنثري، وعمق تجربته الإنسانية التي تنعكس في نصوصه. لقد نجح في تأسيس مدرسة شعرية خاصة به، تجمع بين الحداثة والأصالة، وتؤكد على أهمية التجريب في الشعر العربي المعاصر.



حيدر يا ولدي..

ولدي هل أضعنا الطريق إلى البيت؟
كانَ لنا منزلٌ قد وِلدتَ به أنت..
لا شكَ أني هرمتُ وذاكرتي وهِنت مثل عينيّ
لكنك الآن يا ولدي تتساءلُ عن بيتنا:
كيف؟
ماذا أقول إذاً للضيوف الذين يجيئون؟
ماذا أقول لمن يرسلون الرسائل؟
....................
....................
يا ولدي قل لهم إنني أعرف الدرب
أخبرهمو بالذي أتذَكّرُ..

بيتي على النهر لا شكّ
بيتٌ به نخلةٌ
وحديقةُ وردٍ ونافورةٌ للحشائش
ليمونتان
وأرجوحةٌ أنت تعرفها جيدا..

ولدي!
موقفُ الباص كان قريباً من البيت
قد كنت تقصدهُ أنت يا ولدي
حينما تقصد المدرسة
هل تذكرتهُ؟
هل تذكرتني؟
فلْتُعنّي... بُنيّ.


سعدي يوسف


حيدر ينام

كالمستريحِ إلى النعاسِ دقيقتَينِ
ينام حيدر...
حوله الأزهار، والشمعُ الطويلُ
وضجّةُ الناسِ الذين يغمغمون
ويلعبون لأجْلِه ورَقاً... (هي الفلبين)
حيدرُ مغمضُ العينين
في شفتيه شيءٌ مثلُ شكوى،
مثلُ لونٍ للمَلامةِ؛
كان حيدرُ ناعمَ الخدَّينِ
في أبهى أناقتِه...
نظيفاً
لامعاً
مترقرقَ النُّعمى كعادتِه،
وكان ينام...
 
يا ولَدي
قطعتُ الكونَ
أسبِقُ شمسَه لأراك...
يا ولَدي،
تفارقُني كعهدكَ؟
خلِّني ألمسْ يديكَ
وخلِّني أخبرْكَ عن وجَعي
وما صنعت بيَ الدنيا...
لمن أشكو إذا لم أشْكُ عندكَ؟
هكذا انقطعتْ بنا الدنيا، إذاً!
أرجوكَ...
يا ولدي،
تَنَفّسْ بُرهةً!
افتَحْ، ولو لدقيقةٍ، عينيكَ!
أبصِرْ، لحظةً، شيبي
وماءَ دمي الذي يَنهَلُّ من عينَيّ...
أبصِرْني
انتظِرْني...
كيف تسبقُني،
وتتركُني وحيداً في المفازةِ؟
 
يا صغيري نَمْ
تحَرَّرْ
طِرْ بعيداً
واسترِحْ من لعبةِ العبَثِ الطويلةِ...
نَمْ
ودعْني في الجحيمِ!


سعدي يوسف في مرثيته لولده حيدر..




Source : https://tarik.articlophile.com/podcast/i/84671922/...



Dans la même rubrique :